وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته وربما تكلف بين الناس التبسم والانبساط لينمحي عنه اسم زاهد.
فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية.
واعلم أن المعمول معه لا يريد الشركاء فالمخلص مفرد له بالقصد والمرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس.
وذلك ينقلب لأن قلوبهم بيد من أشرك معه فهو يقلبها عليه لا إليه.
فالموفق من كانت معاملته باطنة وأعماله خالصة.
وذاك الذي تحبه الناس وإن لم يبالهم كما يمقتون المرائي وإن زاد تعبده.
ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم ولا يقصر عن طلب الفضائل.
فهو يملأ الزمان بأكثر ما يسعه من الخير وقلبه لا يفتر عن العمل القلبي.
أبى أن يصير شغله بالحق سبحانه وتعالى.
رأيت خلقاً يفرطون في أديانهم ثم يقولون احملونا إذا متنا إلى مقبرة أحمد.
أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من الصلاة على من عليه دين وعلى الغال وقال: ما ينفعه صلاتي عليه.
ولقد رأيت أقواماً من العلماء حملهم حب الصيت على أن استخرجوا إذناً من السلطان فدفنوا في دكة أحمد بن حنبل وهم يعلمون أن هناك خلقاً رفات بعضهم على بعض.
وما فيهم إلا من يعلم أنه ما يستحق القرب من مثل ذلك.
فأين احتقار النفوس أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز قيل له: تدفن في الحجرة فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك.
لكن العادات وحب الرياسة غلبت على هؤلاء فبقي العلم يجري على الألسن عادة لا للعمل به.
ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين وباشروا الظلم يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد ويوصون بذلك.
فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ إنما يدفنون على موتى.
ويخرج عظام أولئك فيحشرون على ما ألقوا من الظلم حتى في موتهم وينسون أنهم كانوا من أترى ما علموا أن مساعد الظالم ظالم وفي الحديث: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة.
قال السجان لأحمد بن حنبل: هل أنا من أعوان الظلمة فقال: لا أنت من الظلمة إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر.