الــدوره الشهـريه للـرجااااال
تمضي الدراسات الطبية قدمًا صوب اكتشاف "الأنثى الخفية" التي تسكن الرجل، فتتبنى تعرض الرجل لـ"دورة شهرية" نفسية انفعالية لا جسدية، يستغرق اكتمالها 28 يومًا، وتؤثر على وظائفه الجسدية، وصحته العقلية والمزاجية.
فتحت هذا الملف جريدة الشرق الأوسط اللندنية عندما تحدثت عن مثل تلك الدراسات ومدى إمكانية أن تنتقص من الأهلية الشرعية للرجل، مستشهدة بأن ما يحدث للمرأة من تغير بمزاجها وإدراكها خلال فترة الطمث وما قبلها، هي أحد المبررات الرئيسية لحجب الولاية العامة عنها بما فيها تولي القضاء، بحسب ما ذكره بعض الفقهاء.
وحسب الدراسة الطبية التي أجريت بجامعة "ديربي" البريطانية، ونشرتها صحيفة الجارديان في سبتمبر 2004، فإن الرجال أيضًا يعانون من علامات مشابهة لعلامات الدورة الشهرية لدى المرأة بإصابتهم مرة كل شهر بتشنج عضلات البطن، والعصبية، إضافة إلى آلام في الرأس والإعياء، وهذه الدورة الشهرية لدى الرجل؛ وإن لم يظهر فيها دم الحيض (دليل الدورة العيني منذ الأزل)؛ فهي تقوده إلى حالات من الكآبة والشعور بالوهن وسرعة الغضب، بما قد يؤثر سلبًا على اتخاذه للقرارات. تمت تلك الدراسة على عينة قدرها 100 شخص، 50 رجلاً مقارنة بـ50 امرأة ورصدت نتائجها أن أعراض الرجل الشهرية قد تكون أكثر حدة مما تعانيه المرأة.
ومن هنا انطلق خيال مناصري "دورة الرجل" إلى محاولات الربط الفلكي بين الدورة القمرية وظاهرة المد والجزر من جهة، وبين دورة الرجل الشهرية وتغير نسبة السوائل بجسمه واستقراره النفسي والعاطفي وطبيعة سلوكياته من جهة أخرى.
*بين الجدية والفرقعة الإعلامية:
يقرن الدكتور أسامة شعير اختصاصي الذكورة والأمراض التناسلية بين جدية الدراسة الطبية وبين أمرين جوهريين؛ أولهما: اعتمادها على القياس العلمي الدقيق، وثانيهما: نشر ما توصلت إليه الدراسة من نتائج في دوريات علمية متخصصة معترف بها دوليًّا.
ويقول د. أسامة في حديثه لنا: "على المستوى الإكلينيكي، ومن الناحية النفسية الانفعالية، لم يثبت أن هناك ساعات أو أيامًا خلال الشهر تختل فيها وضعية الرجل أو تتأثر بالسلب على أي مستوى من المستويات".
ويشير د. شعير إلى أنه لم يثبت حتى الآن حدوث تغير هرموني لدى الرجل في توقيت محدد مرة كل شهر، أو بصورة عشوائية خلال الشهر، كما أن العلاقة بين دورة القمر وظاهرة المد والجزر وبين نسبة السوائل في الجسم، وبالتالي الاستقرار النفسي والعاطفي ليست إلا مجرد استنتاجات تحتمل الصواب أو الخطأ.
كما يضيف "نحن لسنا مع أو ضد مناقشة (دورة الرجل) أو أي بحث طبي يسعى إلى الإتيان بجديد، بشرط وجود الدليل العلمي، وألا تكون النتائج مجرد فرقعة إعلامية".
*لمعاناة الرجال أسباب أخرى:
يعلق الدكتور محمد نور الدين اختصاصي أمراض النساء والتوليد على ما ذكره بعض أفراد عينة الرجال التي تمت عليهم الدراسة من أنهم تعرضوا بالفعل لتغيرات شهرية، منها: الحاجة إلى الانعزال، وعدم الرغبة في التحدث، وغيرها من التقلبات النفسية، بأن هناك أسبابًا أخرى؛ غير الدورة الشهرية اللامرئية؛ قد تكون وراء هذه الأعراض والانفعالات الشهرية التي تحدث للرجل والتي تشبه الأعراض التي تنتاب المرأة في حالة الـ(pms) أو "متلازمة ما قبل الحيض".
ومن هذه الأسباب الأخرى لانفعالات الرجل وتقلباته المزاجية الشهرية، ضغوط العمل، وكثرة أعباء الحياة، وضخامة المسئوليات الموكلة له، إلى جانب الخلافات الزوجية، والمشكلات المادية، والخوف من المستقبل، وعدم وجود وقت كاف للراحة، وغيرها من الأسباب.
وتُعَرَّف "متلازمة ما قبل الحيض" (pms) بأنها "مجموعة من الأعراض التي تحدث للمرأة في أثناء الأيام التي تفصل ما بين التبييض والحيض، أي في الوقت الذي ينتج فيه المبيضان هرمون البروجستيرون". ويعاني 75% على الأقل من النساء اللاتي يحدث لهن تبييض من واحد أو أكثر من أعراض متلازمة ما قبل الحيض. ويعاني حوالي 5% من النساء من شدة هذه الأعراض، بحيث تحدث بعض الفوضى والاضطرابات في حياتهن وعلاقاتهن.
ومن أعراض "متلازمة ما قبل الحيض": الإعياء، والرغبة الملحّة في تناول أطعمة حلوة أو مالحة، والانتفاخ البطني، وتورم اليدين أو القدمين، ونوبات الصداع، وألم الثديين عند لمسهما، والغثيان، واضطرابات المعدة والأمعاء، والاكتئاب، وسرعة الهياج، وتقلبات المزاج، وضعف التركيز والذاكرة، ومشكلات الأسنان، والتهابات اللثة، وتورم الغدد اللعابية، وغيرها.
ويؤكد الدكتور نور الدين أن هرمون الذكورة التستستيرون يتم إفرازه من الخصية، ولم يثبت علميًّا حدوث تغير هرموني للرجل في أوقات معينة خلال الشهر، ويقول: "هناك بعض الإرهاصات في هذا الصدد، إلا أنها لا تزال قيد التجريب والدرس. وعمومًا ففي تصوري أن الإفراط في تبني مثل هذه النوعية من الدراسات الطبية أمر غير مكتمل الدلالة من وجهة نظر العلم المجرد، اللهم إلا إن كانت هذه الدراسات لها أبعاد أخرى تهدف إلى إثارتها وإثباتها خارج إطار العلم".
*الحقُّ أَوْلى بأن يُتّبع:
وحول ما أثير بشأن تأثر تصرفات الرجل بسبب دورته الشهرية المفترضة، وإمكانية تبرير بعض سلوكياته غير السوية خلالها، بل وتخفيف الأحكام القضائية ضده مثلما هو مطبق في بعض الدول الأوروبية من تخفيف للأحكام التي تُتخذ ضد المرأة عند ارتكابها جريمة في فترة الحيض أو ما قبلها، يقول الدكتور عبد الفتاح بدّور أستاذ تشريعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحامي بالنقض بحزم: "الظن لا يغني عن الحق شيئًا، والحق أولى بأن يُتّبع"؛ فالدراسة الطبية المتعلقة بدورة الرجل لا تزال ظنية، ومن غير المعقول التحدث في صياغة تشريعات بناء على ما هو غير ثابت علميًّا، بل إن هناك شكوكًا في مصداقيته.
ويقول مستطردًا: "نحن نفسّر عدم وقوع الطلاق على المرأة في فترة المحيض بأن الرجل خلال تلك الفترة لا يمتلك حق الاستمتاع بالزوجة؛ فهذا هو الفيصل. أما أن تأتي المرأة بتصرفات غير سوية أو غير رشيدة بدعوى تأثرها بمتاعب الحيض، فهذا أمر غير مقبول، ومسئوليتها القانونية تظل كاملة".
وتقول الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه
بكلية الدراسات الإسلامية إن حجب الولاية عن المرأة في بعض الأمور؛ كالنبوة مثلاً وحمل الرسالة؛ أساسه الكفاءة والتكوين العقلي والنفسي والقدرة على التحمل وطبيعة الدور والاستعداد وما نحو ذلك. كما تضيف: "من التسطيح ذلك الربط الفج بين التغير الهرموني والطمث لدى المرأة وبين حجب الولاية عنها، وإلا صارت الولاية حقًّا للمرأة بعد وصولها إلى سن انقطاع الدورة الشهرية".
وهكذا اشتعل الجدل حول قضية قد لا يكون لها أساس علمي جاد تستقر عليه، فقط يثار دخان بلا نار يخرج من عباءتها؛ لتستمر المقارنات بين نصفي المجتمع -الرجل والمرأة- ورؤى مختلفة حول المساواة بينهما